قد تبدو البقلة (Portulaca oleracea) للوهلة الأولى مجرد نبتة طفيلية تتسلل بين شقوق الأرصفة أو زوايا الحقول الجافة، لكنها في الحقيقة كنزٌ غذائي مغمور، يستحق أن يُعاد إليه اعتباره كأحد أعظم العطايا النباتية التي أغدقت بها الطبيعة. لطالما عُرفت البقلة في الطب الشعبي والمطابخ القديمة، إلا أن العلم الحديث بدأ بالكاد يسبر أعماق فوائدها الصحية.
ما هي نبتة البقلة؟
هي نبات منخفض النمو، بأوراقٍ عصارية دقيقة وأزهارٍ صفراء متواضعة. تتأقلم مع البيئات القاحلة والظروف القاسية بسهولة لافتة. رغم اعتبارها في كثير من الأحيان عشبة غير مرغوبة، إلا أن كامل أجزائها صالحة للأكل وتزخر بالعناصر الغذائية. نكهتها المائلة للحموضة والليمونية تمنحها حضورًا منعشًا في السلطات واليخنات والأطباق المشوحة.
ترسانة غذائية لا تُضاهى
ما يميز البقلة بحق هو محتواها الغذائي المتفرد:
-
الأحماض الدهنية أوميغا-3: تُعد أغنى مصدر نباتي لحمض ألفا لينولينيك (ALA)، وهو الحمض الموجود غالبًا في الأسماك، مما يجعلها خيارًا ذهبيًا للنباتيين والساعين لصحة قلبية متزنة.
-
الفيتامينات الحيوية: تحتوي على نسب وافرة من الفيتامينات A وC وE، وهي عناصر تعزز المناعة، وتحافظ على إشراق البشرة وسلامة النظر.
-
المعادن الأساسية: غنية بالمغنيسيوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والحديد؛ وكلها معادن تدعم العضلات، وتقوي البنية العظمية، وتغذي كريات الدم الحمراء.
-
مضادات الأكسدة: تضم مركّبات مثل البيتا-كاروتين، والجلوتاثيون، والميلاتونين، التي تكافح الأكسدة وتقلص من احتمالية ظهور أمراض العصر المزمنة.
الفوائد الصحية للبقلة
دعم الجهاز القلبي الوعائي
تُساهم أوميغا-3 في تهدئة التهابات الجسم، وتخفيض احتمالات الإصابة بالأمراض القلبية. الأبحاث تؤكد أن الاستهلاك المنتظم لحمض ALA يقلل الكوليسترول ويحسن انتظام نبض القلب. كما يُسهم البوتاسيوم في موازنة ضغط الدم.
خصائص مضادة لمرض السكري
تشير دراسات مبدئية إلى قدرة البقلة على تحسين حساسية الأنسولين، وخفض معدلات السكر في الدم، ما يجعلها خيارًا غذائيًا واعدًا للمصابين بمقدمات السكري أو النوع الثاني.
مساعدة في إدارة الوزن
قليلة السعرات، غنية بالألياف، تمنح شعورًا بالشبع لفترات أطول، ما يُساعد في التحكم في الشهية. كما تسهم أليافها في تحسين الهضم وتغذية البكتيريا النافعة في الأمعاء.
مفعول مضاد للالتهاب ومضاد للأكسدة
كون الالتهاب المستمر أساسًا لكثير من الأمراض، فإن مضادات الأكسدة الموجودة في البقلة تسهم في تخفيف هذا التفاعل الضار، وربما تقلل من أخطار السرطان، والزهايمر، وغيرها من العلل المرتبطة بالإجهاد التأكسدي.
صحة الجلد والبصر
محتواها الغني بالفيتامين A والبيتا-كاروتين يساهم في تقوية البصر، ويقلل من خطر الأمراض المرتبطة بتقدم العمر مثل التنكس البقعي. كما أن خواصها المضادة للالتهاب تلطّف التهابات البشرة، وتهدئ التهيجات، والأكزيما، والحروق الشمسية.
عافية العظام والعضلات
تركيبة البقلة الغنية بالمغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم تجعلها دعامة أساسية للحفاظ على متانة العظام، ومرونة العضلات، خصوصًا في فترات الشيخوخة.
كيف يمكن تناول البقلة؟
يمكن استهلاكها طازجة أو مطهوة بطرق متعددة:
-
تُضاف نيئة إلى السلطات لمنحها قرمشة لاذعة الطابع.
-
تُشوّح سريعًا بزيت الزيتون والثوم كطبق جانبي.
-
تُقلب مع الشوربات أو تُضاف إلى اليخنات قبل التقديم.
-
يمكن خلطها في عصائر خضراء للحصول على دفعة غذائية.
من الضروري تنظيفها بعناية، خاصة إذا تم قطفها من البرية، لتجنّب الأوساخ والملوثات.
كلمة ختامية
قد تكون البقلة نباتًا منسيًا أو حتى منبوذًا في عيون البعض، لكنها، في جوهرها، جوهرة غذائية تُعادل الذهب. مزيجها الاستثنائي من الدهون الصحية، والفيتامينات، والمعادن، والمركبات المضادة للأكسدة يجعل منها خيارًا مثاليًا لمن يسعى لحياة صحية ومتوازنة. سواء كنت تبتغي تعزيز صحة قلبك، أو تهدئة الالتهابات، أو فقط ترغب في تذوق شيء مختلف، فقد تكون البقلة هي القطعة الناقصة في لوحة غذائك.
ما اسمها في اليمن